مراجعات ريم أحمد
أسم الرواية :
#ليس_للحرب_وجه_أنثوي
الكاتبة : سفيتلانا الكسييفيتش
للحرب وجه واحد وصفة لصيقة وعنوان أكثر ميزة وهو الدمار الذي لا يبقي شيئا ولا يذر….يجرد الأشياء من قيمتها ويخلع عنها روحها ويبقيها خاوية جرداء لا حياة فيها….
من بين قصص وروايات مختلفة تعود بقارئها إلى القرن المنصرم وتحديدا إلى سنوات الحرب العالمية الثانية تشكلت سطور رواية سفيتلانا ” ليس للحرب وجه أنثوي ” لتكون بمنزلة الشهادات الشخصية على عصر كانت سمته الأبرز الحرب الضروس المميتة التي أزهقت الأرواح وقتلت الشعوب وشردت الكثيرين…
روايات متعددة اتخذت منها المؤلفة مادة لروايتها …بطلاتها النساء ولا أحد غيرهن …مساحة كتابية تشي بالواجهة غير المرئية او المذكورة في الحرب وهي المرأة التي كانت مقصية عن المشهد العام الإعلامي آنذاك ليظل الرجل هو البطل الزعيم حتى في تلك الظروف ليتناسب ذلك وتكوينه ومسماه الذكوري…لكن هؤلاء النسوة حاولن من خلال حديثهن عن ذكريات الحرب التخلص من رهبة الصمت وإخبار العالم عن دورهن في القتال بصوره المختلفة إلى جانب الرجال…فشكلت العودة للماضي البعيد إليهن متنفسا وتصريحا عن الكبت الذي عشنه والمرارة التي تجرعنها…
جدات اليوم وكبيرات السن هن من كن في تلك الأيام شابات جميلات تطوعن من أجل حرية الوطن في صفوف الجبهة للقتال ومواجهة العدو…اخترن ذلك دون الالتفات لأعمارهن وأوضاعهن …جل ما كان يشغلهن ويؤرقهن هو مواجهة الألمان وإبعادهم عن بلادهن…فذبن تدريجيا في ثكنات القتال …ارتدين الزي العسكري وحلقن شعورهن وتخلصن من أثوابهن وصرن صلبات قادرات على إطلاق النار ومواجهة الموت كالرجال تماما لأن الهدف والقضية واحدة…
حكايات ترويها النساء كل من موقعها الذي شغلته…طبيبة …خياطة…ممرضة…طاهية…غسالة…إلى غير ذلك من المهن التي تخدم الجيوش في الحرب….يعطين القارىء صورة عن الأوضاع المعاشة انذاك….معنى الفناء الذي صار مألوفا….منظر الأشلاء التي صارت مشهدا مألوفا….النساء المترجلات اللاتي نسين أنوثتهن وصرن صورا بلا حياة…الحب الذي تلاشت معانيه وظلت ذكرياته…الحزن الذي خيم على البيوت والعائلات …. والأرواح التي هامت وضلت وتجردت من جوهرها….
إن ذاكرتهن كما تصفها الكاتبة هي “قوة الضوء” الأقوى، من حيث توتر المشاعر، من حيث الألم. بل ويمكنني القول أن الحرب “النسائية” أشد رهبة من الحرب “الرجولية”. ص 20…إنها ذاكرة تعيسة ملأى بإفرازات ذلك العصر وتأثيراته ….مشاهد لم تغادر المخيلة ولحظات ظلت فاصلة في حياتهن لأنها صاغت المستقبل فيما بعد لهن…مستقبل لم يكن ينتظرنه لأنهن كن على موعد مع الموت الذي لم ينشب أظفاره بهن فتركهن في صراع بين الحاضر والمستقبل….
هذه الرواية تنقل لنا الحرب من وجهة نظر نسائية خالية من اللمسات الأدبية والديباجة النثرية…تعطينا لمحات عن الحرب العالمية الثانية في المعسكر الروسي الذي كان يقاوم الزحف الألماني ….تعرف المتلقي على المعنى الحقيقي العاصف للحرب الهوجاء التي تجرد الشخص من بشريته وتخلع عنه رداء إنسانيته وتعبث به كيفما شاءت…تلك الحرب التي لا تقبل عطف المرأة ولا حنانها ولا حبها فتدمر أجمل ما فيها من مشاعر وتسلبها الأقرب إليها….تميت فيها أنوثتها وتستعبدها لرحاها القاتلة..تدوس على أناها وتقدم روحها قربانا لأجل فكرة واحدة ” الوطن” دون الالتفات إلى دورها المساند للرجل….
ليس للحرب وجه أنثوي لأنها شعواء قاسية عابثة مجردة من الروح الشفافة التي تتسم بها المرأة….فالمرأة هي الحب والأمان وهي إحدى مرادفات الوطن…وهناك لم يكن لهذه المسميات الروحية وجود لذا لم تكن إحدى وجوه الحرب لإنها المعنى العام المضاد لها…كانت هناك المقاتلة المتجردة من مسماها….
المرأة حياة….والحرب موت….الأنثى بسمة…والقتال غضب عارم…هي الجمال…والجبهة فناء….المتضادات لا تجتمع لكنها تظهر وتكشف حقائق بعضها البعض ولعل هذا ما أرادته الكاتبة من الجمع بين الأنثى والحرب في عنوان هذه الرواية…
عند انتهائي من قراءة هذه الرواية التي تناولتها الكاتبة من وجهة نظر مقاتلات الاتحاد السوفيتي تذكرت رواية أخرى لكاتبة ألمانية عنوانها ” مجهول امراة في برلين ” تحدثت بها عن توغل القوات الروسية في ألمانيا وماقامت به من اعتداءات صارخة هناك….فتشكلت اذا شهادتان لمعسكران متناحران تبرزان لنا الجوانب المختلفة للحرب بين الطرفين كل حسب مايراها من وجهة نظره الخاصة…
ومن ثم هؤلاء النسوة وبعد مضي سنوات طويلة استطعن أن يبرزن الجوانب الخفية للحرب والمشاعر المشتتة المختلطة التي انتباتهن والحياة القاسية التي عشنها بكل وضوح وصراحة…فهل ستتمكن نساء فلسطين والعراق وسوريا وجميع دولنا التي عانت ويلات الحروب من أن يجدن من يتخطى بهن حاجز الصمت ويعرّف العالم بتضحياتهن ومعاناتهن وفراغ أرواحهن وموت قلوبهن وهشاشتهن لغياب ابن استشهد أو زوج قتل أو بيت دمر….
من يكتب عن الحرب عليه أن يدرس الأرواح التي باتت خاوية لا حياة فيها….فأساس كل بنيان روحه …إن خبت راح وتلاشى…والقتال يجعلها تتهاوى وتموت مع الوقت…عليه أن ينبش في الدواخل المتهالكة والذوات المضناة التي ظلت تعيش خاوية دون حياة….
بقلم ✍️ ريم أحمد